الروتين والإبداع. المعادلة الذهبية للوصول إلى النجاح
يظنُّ البعض أن الروتينَ عدوٌّ للإبداع والتغيير، ويشيرون إليه كمصدر للملل وعائقٍ في وجه الإبداع والتجديد. لكن، هل هذا الاعتقاد صحيح؟ الحقيقة تقول غير هذا.
في الواقع، الانضباط والروتين ركيزتان أساسيتان للوصول إلى الإبداع، فلا التغيير يؤدي إلى الأفضل دائمًا، ولا الروتين يؤدي إلى الأسوأ كذلك. التوازن بين الأمرين هو المفتاح الحقيقي للنجاح.
أشارت دراسة أجريت في جامعة “ساوثمبتون” في المملكة المتحدة، ونُشرت في المجلة العلمية “Nature” عام 2012 إلى هذا التوازن. ووفقًا للدراسة، يمكن للروتين أن يعزز الإبداع والابتكار بقدر ما يمكن للابتكار أن يكسر الروتين.
كيف يحدث ذلك؟ يكمن الجواب في فهمنا للروتين والانضباط. يقول “توماس إديسون” (مخترع المصباح الكهربائي): ” 1 في المئة من العبقرية إلهام، و99 في المئة جهد”. هذا يشير إلى أن العبقرية ليست لحظة من الإلهام فحسب، بل نتيجة للكثير من العمل الشاق والروتيني.
يمنح كل من الانضباط والروتين الأفرادَ القدرة على ممارسة وتحسين مهاراتهم بانتظام، وهذا يوفر لهم الوقت والمساحة لتطوير أفكار جديدة. وبما أن الروتين يرمز إلى الثبات والاستقرار، فهو يسمح لنا بالتركيز على الإبداع عوضًا عن التفكير فيما يجب علينا القيام به. ولهذا السبب، يعتمد الكثير من الأشخاص الناجحين على الروتين في حياتهم اليومية.
تأكيدًا لذلك، اعترف الكاتب الأمريكي الشهير “مارك توين” بأنه كان يكتب كل يومٍ وفقًا لجدول زمني محدد، وهذا ما ساعده على الإنتاج والإبداع على الدوام. كذلك كانت الكاتبة البريطانية “ج.ك. رولينج”، مؤلفة سلسلة “هاري بوتر”، تكتب كل يومٍ في الوقت ذاته في إحدى المقاهي.
من جانب آخر، لا يمكن أن يكون الروتين المحركَ الوحيد للإبداع، فتكرار بسيط قد يؤدي إلى ركود يقتل الإبداع. إذن، لا بأس بالقليل من التغيير والتجديد للحفاظ على نشاط العقل وتدفق الأفكار. وهنا، يأتي دور التوازن بين الروتين والتغيير.
تقول “كاثرين شيلدون”، كبيرة الباحثين في “سنتر فور كرييتيف ليدرشيب”: “يمكن أن يكون الروتين محركًا قويًا للإبداع، لكن بشرط تحقيق التوازن بينه وبين التجديد”. فإذا كان الروتين ممارسة يومية، فليكن التجديد بمثابة التوابل التي تمنح هذه الممارسة طعمًا أفضل.
يتطلب تحقيق التوازن المثالي بين الروتين والتجديد تجربة وتعديلًا بلا شك، لكن عندما نصل إلى هذا التوازن، يمكننا أن نحقق أقصى قدر من الإنتاجية والإبداع.
أخيرًا، رغم ما يتم تداوله من مقولات تظهر تعارضًا بين الروتين والإبداع، يمكن القول بأن الروتين هو المكمل الأساسي للتجديد، فهو لا يوفر لنا الاستقرار والتنظيم في حياتنا فحسب، بل يمنحنا القدرة على الابتكار للوصول إلى الإبداع الحقيقي.
إذا كنا نسعى للنجاح في أي مجال، علينا أن نقدر القيمة الحقيقية للروتين والتجديد، ونسعى لتحقيق توازن مثالي بينهما، فالتجديد بدون روتين يؤدي إلى الفوضى، والروتين بدون تجديد يؤدي إلى الركود.
وكما يقول “جيمس كلير”، مؤلف “Atomic Habits”: “لا تتخيل أن الإبداع يأتي من العدم، بل هو نتيجة للكثير من العمل الروتيني والممارسة والتجربة. الابتكار والتجديد يأتيان من خلال الانضباط والاستمرار، وليس بتخطيهما”.