
السؤال إشكالي من أساسه، لأنه يقع في منطقة ملتبسة بين ما تشعر به كقارئ وبين ما يمكن قياسه بشكل موضوعي. الخطوة الأولى هي أن تفصل بين انطباعك الشخصي وبين التقييم الموضوعي للنص، وهذا ليس بالأمر السهل دائمًا.
على المستوى الشخصي، لا يكفي أن تشعر بالملل أو الانزعاج لتحكم على الرواية بأنها رديئة. قد يكون الملل مرتبطًا بتوقعاتك، أو بمزاجك، أو حتى بالوقت الذي اخترته للقراءة. الكثير من الروايات التي صارت كلاسيكيات بدت “ثقيلة” لقرّاء كثيرين في البداية، وبعضها يحتاج وقتًا لتلتقط إيقاعه أو تدخل في مناخه السردي. لذلك، الانطباع الأول ليس حكمًا نهائيًا، بل هو مجرد إشارة تستحق التوقف.
أما التقييم الموضوعي فيبدأ عندما تفحص البناء السردي: هل الحكاية متماسكة؟ هل تتطور بمنطق واضح؟ هل هناك عقدة تنمو وتتحرك، أم أن الأحداث تتراكم بلا اتجاه؟ الفجوات في المنطق الداخلي للرواية ليست مجرد “أخطاء صغيرة”، بل هي تشققات قد تُسقط النص بأكمله إن تُركت دون معالجة. بعد ذلك تأتي الشخصيات: هل تتحرك بدوافع مفهومة؟ هل لها عمق واتساق؟ أم أنها مسطّحة، ونمطية، ومجرد أدوات لخدمة الحبكة دون مبررات درامية حقيقية؟ الشخصية التي تفعل شيئًا “لأن الكاتب يحتاج ذلك” هي شخصية فاشلة في الأغلب.
ثم هناك الأسلوب: سلامة اللغة، ودقة الإيقاع، وملاءمة السرد للموضوع. الإنشائية المفرطة أو الجمل المستهلكة تكشف عن ضعف في الأداء اللغوي، وهذا ليس مسألة ذوق بل مسألة حرفة. وبعدها يأتي العالم الروائي: هل النص قادر على خلق بيئة قابلة للتصديق، سواء كانت واقعية أو متخيّلة؟ العالم الروائي يجب أن يعمل بقوانين ثابتة، حتى لو كانت هذه القوانين خيالية. التناقض الداخلي يهدم الإيمان بالنص.
كل هذا يقود إلى ما يُسمّى “الصدق الفني”، وهو مفهوم يتكرر في النقد الأدبي ويعني ببساطة: أن الرواية، مهما كان موضوعها، يجب أن تُقنعك بأنها “تحدث بالفعل” داخل منطقها الخاص. عندما يتحقق ذلك، تنجح الرواية، وعندما يغيب، تفشل.
إذا وجدت خللًا جوهريًا في أكثر من عنصر من هذه العناصر، فأنت أمام رواية ضعيفة فنيًا، حتى لو استمتع بها آخرون. الاستمتاع لا يُبطل الضعف، والضعف لا يُلغي الاستمتاع. هذا التمييز ضروري لكي لا تخلط بين ما تحبه وبين ما هو جيد.
لذلك، عند تقييم أي رواية مستقبلًا، امنح نفسك قراءتين: الأولى للمتعة والانطباع، والثانية للتفحّص والتحليل. هذا الفصل بين المتعة والتحليل يمنح حكمك وزنًا معرفيًا حقيقيًا، لا مجرد شعور عابر.




