جسّد حلمك
روى القصة التالية المؤلف المعروف ستيف تشاندلر، في كتابه الشهير “مئة طريقة لتحفيز نفسك”. يقول تشاندلر: لم يكن “آرنولد شوارزنغر” قد اشتهر حتى عام 1976 عندما تناولت معه الغداء في أحد المطاعم في مدينة تكسون في ولاية أريزونا، ولم يكن هناك شخص في المطعم يعرفه. وقد كان شوارزنغر متواجدا في هذه الولاية لرعاية فيلمه “ابق جائعا”، وهو الفيلم الذي لم يحقق الإيرادات المرجوة. وكنت وقتها محررا صحفيا أكتب عموداً رياضياً لمجلة “تكسون سيتيزن”، وكلفت من قبل المجلة بأن أقضي يوماً كاملاً معه لأكتب مقالاً عنه، باعتباره بطل كمال أجسام سابق.
ولم أكن يومها أحمل أي فكرة كبيرة عمن يكون أو من سيكون، ولكن لم يكن أمامي سوى قضاء ذلك اليوم معه بعدما كلفتني المجلة بذلك. إلا أن هذه المهمة الصحفية التي قمت بها آنذاك دون حماس، انتهت لتكون واحدة من المهام الصحفية التي لن أنساها أبدا، وخصوصا تلك الساعة التي قضيتها معه في تناول الغداء، حيث أخرجت كراستي وأخذت أوجه له بعض الأسئلة التي كنت جهزتها سابقا لأجل المقال، وأثناء الطعام وفي لحظة معينة سألته بشكل عارض: أما وقد اعتزلت رياضة كمال الأجسام، فما الذي تنوي فعله الآن؟
فما كان منه إلا أن أجابني بصوت هادئ، كما لو كان يخبرني عن بعض خطط سفرياته العادية: إنني أنوي أن أكون النجم رقم واحد في هوليوود!
آرنولد شوارزنغر، لم يكن يومها الشخص البسيط ممشوق القوام الذي نعرفه الآن، فقد كان ضخم الجثة وممتلئاً جدا، ولم أستطع أن أرى ما يقوله منطقياً أبدا، ومحاولا في ذات الوقت أن لا أظهر أمامه صدمتي وذهولي مما قال، خصوصا أن محاولته السينمائية الأولى لم تبشر بالكثير يومها، بالإضافة إلى أن لهجته النمساوية الواضحة وبنيته الضخمة التي تفتقر إلى الحركة والمرونة، ما كانتا لتوحيا أبدا بأن مشاهدي السينما سيتقبلونه سريعاً، لكنني استطعت في النهاية أن أظل هادئا مثله وأسأل: وما هي خطتك لأن تكون النجم الأول في هوليوود؟
أجابني وبذات الهدوء ودون تردد: بنفس الأسلوب الذي كنت أتبعه في كمال الأجسام، وهو أن أتخيل الصورة التي أريد أن أكونها، ثم أعيش تلك الصورة طوال الوقت كما لو كانت واقعاً.
يومها بدت لي فلسفته هذه بسيطة وساذجة جدا.. بسيطة وساذجة بشكل مضحك، بحيث أنها لم تعنِ لي شيئاً ذا قيمة أبدا، ومع ذلك كتبتها في المقال، ليتضح لي بعد ذلك أني لن أنساها أبداً. ولن أنسى بعدها أيضا تلك اللحظة، عندما علمت بأن حجم الإيرادات من فيلمه “المدمر”، بعدها بسنوات قليلة، جعل منه واحدا من أشهر نجوم السينما في العالم حينها!
لم يكن لدى شوارزنغر القدرة على استقراء المستقبل طبعا، بل كان صميم الأمر كله متعلقا بوصفته البسيطة تلك، والتي كنت رأيتها حينها بسيطة إلى حد السخافة. وها أنا ذا اليوم، وعلى مر السنين، قد صرت بدوري أستخدم فكرة آرنولد شوارزنغر في خلق صورة ذهنية لما أريد تحقيقه، والوصول إليه كوسيلة تحفيز لنفسي شخصيا، بل وقمت بتفصيل الفكرة وشرحها بتعمق، من خلال الندوات التي ألقيتها للناس في المؤسسات والشركات وغيرها.
آرنولد شوارزنغر كان قد خلق صورة ذهنية واضحة تماما لما يريد تحقيقه، وعاشها لحظة بلحظة، ولهذا فعلى كل شخص يريد النجاح أن يفعل مثله، وأن يتخيل ما يريده تماما، ويرسم له صورة ذهنية واضحة، وأن يرى نفسه هناك فيها، في ذلك الحلم وقد تحقق ما يصبو إليه تماما، وصار يستمتع بنجاحه عندما وصل إليه.
إن من أهم الأمور لأجل حياة ناجحة يملؤها الحماس والتحفيز الذاتي، أن يكون لدى المرء شيء يستيقظ لأجله كل صباح، شيء يحبه ويجيد عمله في هذه الحياة، تماما كالفنان الذي يبدع لوحة أو يشيد صرحا، أو الرياضي المحترف الذي يمارس لعبة رياضية يعشقها.. شيء يفخر به ويبث السعادة في أوصاله، بحيث يجعله متعطشاً لعمله طوال الوقت. تلك الصورة الذهنية الواضحة جدا، والتي يمكن لأي شخص أن يتخيلها متى ما أراد، إن هو عرف حقا ما يريد، هي من أهم الأشياء التي تساعد الإنسان على الوصول إلى هذه المرحلة الرائعة.
ملخص القول؛ أن على كل إنسان يريد النجاح حقا في هذه الحياة، أن يمتزج بفكرته التي يريد تحقيقها. يجب عليه أن يصبح هو والفكرة كيانا واحدا، حتى لا يمكن التمييز حينها بينهما، فيصبح تجسيدا حقيقيا لها على كل مستوياتها، مدركا لكل أبعادها ومعانيها.
ولطالما كان أولئك الذين التحموا بأفكارهم وتمسكوا بأحلامهم طوال الوقت وحتى آخر رمق، ولم تثنهم المصاعب والعثرات والمعوقات عن الاستمرار في السعي الدؤوب لأجل تحقيق هذه الأفكار، هم أعظم الناجحين في هذه الدنيا. وأما الآخرون، فسرعان ما كانوا يتخلون عن أفكارهم وأحلامهم، وسرعان ما كانوا يصبحون مجرد أرقام أخرى تضاف إلى مليارات البشر المنتشرين في هذه الأرض، ممن اختاروا الدوران في دائرة الحياة النمطية.