مكتبتي التي لم ولن أقرأها كاملة: تأملات في الشغف والمعرفة
ما الذي يدفع إنسانًا لاقتناء مئات الكتب، وهو يعلم يقينًا أنه لن يقرأها جميعًا؟ أهو طمع في المعرفة أم جشع ثقافي؟ أم أن في الأمر فلسفة أعمق لا يراها إلا من تآلفت روحه مع عالم الكتب؟
في مكتبتي تتراكم الكتب، بعضها قرأته، وبعضها يترقب دوره في قائمة الانتظار الطويلة، والكثير منها قد لا يُفتح أبدًا. ومع ذلك، أستمر في شراء المزيد. قد يبدو الأمر عبثيًا للبعض، لكن الحقيقة أن اقتناء الكتب ليس مجرد فعل استهلاكي، بل هو انعكاس لشغف أعمق بالمعرفة، ولرغبة مستمرة في أن أكون محاطًا بعوالم لا حدود لها.
الكتب بالنسبة لي ليست فقط لقراءتها؛ بل لوجودها. كل كتاب يزين رفًا في مكتبتي يحمل وعدًا بلحظة اكتشاف، وأملًا في حوار مستقبلي قد يحدث، وربما لا. إنها إمكانيات تنتظر الوقت المناسب لتُفعل. أشتري الكتب وكأنني أستعد لكل الأسئلة التي قد تطرحها الحياة، ولكل التحولات الفكرية التي قد تعبرني.
كما قال الكاتب الإيطالي أومبرتو إيكو، الذي امتلك مكتبة شخصية ضخمة:
“المكتبة غير المقروءة أكثر قيمة من المكتبة المقروءة. الكتب التي لم تقرأها تمثل كل ما لا تعرفه، أما الكتب التي قرأتها فهي فقط ما تعرفه. إذن، المكتبة ليست تذكيرًا بغرور المعرفة، بل بجهلنا العظيم.”
في كل مرة أضع كتابًا جديدًا على الرف، أشعر وكأنني أضيف احتمالًا جديدًا لذاتي. أحيانًا لا يتعلق الأمر بما قرأته، بل بما يمكن أن أقرأه يومًا ما. الكتب غير المقروءة ليست عبئًا على الرفوف، بل هي شهادة على شغفي بالبحث والتعلم، وعلى إيماني بأن المعرفة رحلة لا تنتهي.
كما عبّر الكاتب الأمريكي رالف والدو إيمرسون عن هذا الشغف بالكتب بقوله:
“إذا جمعت مكتبة من الكتب، فإنك تجمع كنزًا ليس فقط لما يحتويه، ولكن لما يمثله من إمكانيات الحياة.”
أشتري الكتب لأنني أحب أن أعيش بين الكلمات والأفكار. أحب أن أكون محاطًا بمكتبة تمثل احتمالاتي الفكرية ورحلاتي المستقبلية. ربما لن أقرأ كل شيء، لكن كل كتاب هو نافذة تفتح على عالم جديد. وأحيانًا، يكفي مجرد وجوده ليذكرني بأن العالم واسع، وبأن الحياة مليئة بفرص الاكتشاف.
كما قال الأديب الفرنسي مارسيل بروست:
“قد يكون الكتاب بالنسبة لنا مجرد غلاف بين دفتين، لكن بداخله توجد حياة بأكملها تنتظر من يفتحها.”
فحين يسألني أحدهم: “هل قرأت كل كتبك؟” أبتسم وأجيب: “ليس الغرض أن أقرأها كلها. الغرض أن أعيش معها.” وحين يستفسر: “لماذا تشتري المزيد؟” أقول: “لأن الكتب ليست مجرد أوراق وحبر. إنها إمكانيات لا تنتهي، وأفق واسع أريد أن أكون قريبًا منه دائمًا.”
إن امتلاك مكتبة لم تُقرأ بالكامل ليس علامة على الفشل أو الجشع، بل هو دليل على طموح عميق، وشغف لا يهدأ، وثقة بأن اللحظة المناسبة لكل كتاب ستأتي، أو ربما لن تأتي، ومع ذلك، لا شيء يضيع. فحتى الكتب التي لم تُفتح يومًا، تكفي رؤيتها لتذكرني أنني أعيش حياة مليئة بالاحتمالات، وأن العالم دائمًا أكبر مما أتصور.
هذه هي فلسفتي مع مكتبتي. هي ليست مجرد مساحة للتكديس، بل هي مساحة للأمل، وللحياة التي أريدها؛ حياة مليئة بالمعرفة والاحتمالات اللامتناهية.
1. أومبرتو إيكو (Umberto Eco):
كاتب وفيلسوف إيطالي شهير (1932-2016)، اشتهر برواياته التي تجمع بين الغموض والفكر العميق، أبرزها رواية “اسم الوردة”. كان إيكو أيضًا أكاديميًا متخصصًا في علم السيميائيات (علم العلامات). امتلك مكتبة شخصية ضخمة تجاوزت 30,000 كتاب، واعتبرها انعكاسًا لجهله وفضوله المستمر لاكتشاف المزيد.
2. رالف والدو إيمرسون (Ralph Waldo Emerson):
فيلسوف وشاعر أمريكي (1803-1882)، أحد أبرز مفكري الحركة المتعالية في القرن التاسع عشر. دعا إلى الاعتماد على الذات، والتأمل في الطبيعة، وإيجاد الحقيقة داخل النفس البشرية. كتاباته أثرت على الفكر الفلسفي والأدبي في أمريكا والعالم.
3. مارسيل بروست (Marcel Proust):
روائي وشاعر فرنسي (1871-1922)، يُعد واحدًا من أعظم كتاب الأدب الحديث. اشتهر بعمله الضخم “البحث عن الزمن المفقود”، الذي يُعتبر ملحمة أدبية تسبر أغوار الزمن والذاكرة والعلاقات الإنسانية. كان بروست مولعًا بالكتب والمكتبات، واعتبر القراءة وسيلة لاستكشاف عوالم جديدة ومشاعر عميقة.
شكراً 🙏🌹
لقد أجبت على تساؤل شغل بالي من زمان.