معارض الكتاب في الخليج العربي، على الأبواب (*)، وهي بالنسبة إلى كثير من الناس، في هذه الناحية من العالم، تكاد تكون المرة الوحيدة التي سيزورون فيها أي محل لبيع الكتب طوال العام، مدفوعين بالتشجيع الذي يأتيهم من القراء المتحمسين، أمثالي، أو ربما من التركيز الإعلامي على هذا الحدث، على قلته بطبيعة الحال.
السؤال الدائم في كل المعارض السابقة، والذي سيتكرر هذا العام ولا شك، هو: ما هي الكتب التي تقترحونها للاقتناء؟
والحقيقة أني كنت دائما أحاول، وفي كل عام، أن أجهز قائمة منوعة لكتب أراها جديرة بأن تقتنى، فأنشرها في مدونتي على الانترنت لتكون جاهزة لمن يطلبها، إلا أنني وبعدما تأملت في الموضوع، وجدت أن هذه الطريقة لم تكن صحيحة أبدا، وذلك لأكثر من سبب.
وأرجو أن لا تتسرعوا لفهمي خطأ، فلست ضد فكرة أن ينصح أحدهم أحدا بكتاب جيد، وأن يتحدث عن تجربته خلال قراءة هذا الكتاب، بل على العكس، أنا ممن يحبون قراءة هذا النوع من الكتابات، ويبحثون عنها. لكن ما أقصده هو الطريقة المتمثلة في تقديم مقترحات بأسماء كتب، عبر عرض عناوينها فقط، وربما طرف من معلومة عن محتواها، وتقديمها للناس بعد ذلك وكأنها قائمة صالحة للجميع. أنا ما عدت أومن بهذا أبدا.
الكتاب في نظري، أي كتاب، هو مزيج من ثلاثة أمور: المحتوى، علميا كان أو فكريا أو غيره، ومزاج الكاتب ونظامه الفكري وأسلوبه، عندما قام بتحويل هذا المحتوى إلى صيغة مكتوبة، ومزاج القارئ ونظامه الفكري وكذلك أسلوبه، عندما قام بقراءة هذا المحتوى، وبالتالي فإن هذا المزيج سيكون دوما فريدا وخاصا بكل قارئ تجاه كل كتاب جديد ومختلف، وسيكون لذلك مختلفا، في الغالب، ما بين القراء تجاه الكتب المختلفة.
ويقولون في الحكمة بأن الإنسان لا يمكن أن يسبح في ذات النهر مرتين، قاصدين بذلك أن مياه النهر دوما متجددة، وأن الإنسان يستحيل أن يسبح في جزيئات الماء ذاتها التي سبح فيها في المرة السابقة. ويحلو لي بعد هذه السنوات الطويلة من السياحة في عالم الكتب، أن أقول إن القراءة كذلك، فأنت لا تقرأ ذات الكتاب مرتين أبدا، حتى ولو قرأته فعلا مرتين، وذلك لأنك حين تأتيه في المرة الثانية تكون قد جئت في الغالب بمزاج آخر، نتيجة لاكتسابك ذخيرة علمية وفكرية ونفسية جديدة، نبعت من تجاربك في الحياة، ومن قراءاتك الأخرى وغير ذلك، بل لعلها تكون قد نبعت من الكتاب ذاته عندما قرأته في المرة الأولى، ففتح في عقلك وخيالك ونفسك آفاقا أرحب، نحو أفكار وأمور لم تكن موجودة عندك في السابق، أو لعلها كانت كامنة فتحررت، فصارت جسرا مهيأ لإيصالك نحو ما هو أبعد منها.
لهذه الأسباب، ومن تجربتي الشخصية، وكذلك من مشاهدات كثيرة وملاحظة للقراء من حولي، وكيف أنهم لطالما كانوا يختلفون في آرائهم تجاه الكتاب الواحد، وكيف أن هناك من عشقوا وأشادوا كثيرا بكتاب ما، لأجد في الوقت ذاته من لم يحبوه وربما كرهوه وذموه، صرت على قناعة راسخة بأن الأفضل كثيرا من أن أقدم قائمة بأسماء كتب مقترحة للاقتناء من معرض الكتاب هذا أو ذاك، هو أن أنصح أن يذهب الشخص بنفسه إلى المعرض، وأن يعطي نفسه فرصة للتصفح والتعرف على ما سيوافق هوى نفسه من الكتب.
ولا مانع عندي من أن يذهب الشخص مع غيره يومها، ولكن ليحرص على أن يكون هناك، بقدر الإمكان، في خلوة مع الكتب عند قيامه بالتعرف عليها لاختيار ما سيحبه منها، فهو من سيقوم بقراءتها لا غيره، والأمر منوط في الأول والآخر بالحب، والحب دوما كان هو المفتاح الذي يفتح أصعب المغاليق. الكتاب الذي ستحبه ستقدم على قراءته، والكتاب الذي لن تحبه لن تقرأه.
ليذهب الواحد إلى معرض الكتاب، وليصافح الكتب ويتصفحها بهدوء وروية. لينظر إلى العنوان ويتعرف على المؤلف، إن كان قد كُتب عنه شيء على غلاف الكتاب، ولينظر في الفهرس ليتعرف على المحتويات، وليقرأ المقدمة على عجالة ليعرف ما يريد الكاتب من كتابه، وليقفز بعدها بين فصول الكتاب، فيقرأ فقرات كاملة من مختلف الصفحات، ولينظر حينها إن كان فهم المراد واستساغ الأسلوب فأحب الكتاب أم لا، فإن كان أحبه اقتناه، وإلا وضعه على الرف وقصد غيره، بغض النظر عما ناله الكتاب من مديح أو ذم، سواء من الصحافة أو القراء.
هذه العملية لن تستغرق بعد إجادتها، إلا دقائق معدودة مع الكتاب، وستعفي الإنسان من شراء تلك الكتب التي لطالما اكتشف أنها غير صالحة للقراءة، بعدما اشتراها.
والأمر الآخر هو عدم الاندفاع كذلك وراء إغراء الكتب الجديدة، فليس كل كتاب جديد سيكون جيدا بالضرورة، بل علينا دائما أن نطبق أسلوب المصافحة والتصفح ذاته، لنرسم صورة عن أي كتاب قبل اقتنائه، سواء أكان جديدا أو قديما.
هذه كانت نصائحي للقراء القادمين الجدد إلى عالم القراءة، وأما السابقون، فهؤلاء في ظني قد شقوا دربهم، وصاروا يعرفون ما يريدون تماما، أليس كذلك؟ أتمنى ذلك، وأتمنى للجميع موسما ثقافيا طيبا.
(*) نشرت هذه المقالة للمرة الأولى في العام ٢٠١١ في جريدة البيان.