عن الكتابة والفشل
يقول ستيفن مارش في كتابه “عن الكتابة والفشل” إن “الفشل هو الجسد الحقيقي لحياة الكاتب، بينما النجاح ما هو إلا اللباس الذي يرتديه”. هذه العبارة تختزل في طياتها جوهر المعاناة الإبداعية التي تبقى متوارية في ظلال النفس، بينما يتجلى للعالم فقط وميض إنجازاتها النادرة. فالكاتب يعيش في فضاء مترع بالصراعات، والانتقال من إخفاق إلى آخر هو جزء لا يتجزأ من هذه الرحلة الشاقة التي تستلزم منه المثابرة الدؤوبة في وجه العقبات والتحديات المتواترة.
الكتابة، في جوهرها، مسيرة طويلة من الهزائم التي تصقل روح الكاتب وتقوي عزيمته، حيث يعيش في حالة من الجدل الدائم مع ذاته، ومع المجتمع، ومع القيود المفروضة عليه. وفي هذا السياق، يستحضرنا قول الكاتب الأمريكي الشهير إرنست همنغواي: “ليس هناك شيء صعب في الكتابة. كل ما عليك فعله هو الجلوس أمام آلة الكتابة والنزف”. هذا القول يجسد بعمق الصراع الداخلي الذي يخوضه الكاتب، مبرزاً أن الإبداع الحقيقي ينبع من معاناة صادقة وجهد مضنٍ.
يعبر مارش عن هذا الصراع بجلاء، مسلطاً الضوء على كيفية تعلم الكاتب تحمل الإحباطات المتكررة وتحويلها إلى منبع لقوته الإبداعية. فالنجاح الذي يراه الجمهور ليس سوى شذرة ضئيلة من الحقيقة الكاملة، إذ تكمن القوة الحقيقية في قدرة الكاتب على التشبث بشغفه، رغم كل ما يعتريه من رفض وقلق وشكوك تعصف بكيانه.
الفشل في الكتابة ليس نهاية المطاف، بل هو جزء لا يتجزأ من رحلة الكاتب، يشكل الجسر الذي يعبره نحو النجاح. كما عبر ستيفن مارش، فإن الفشل هو رفيق الكاتب الدائم، وليس عدواً ينبغي تجنبه. يجسد هذا المفهوم فكرة أن التحديات والإحباطات التي تواجه الكاتب ليست سوى دروس تعزز قدراته وتعمق فهمه لماهية الكتابة. كل محاولة غير مكتملة، وكل نص مرفوض، تحمل في طياتها إمكانية نمو وتحسين.
يرى مارش أن الفشل هو الذي يخلق جوهر الكاتب، والنجاح ما هو إلا القشرة الخارجية التي يتطلع إليها الآخرون. ومع ذلك، فإن قيمة الكاتب تتجسد في عمق تلك الإخفاقات، وفي الاستمرارية التي لا تتوقف رغم الإحباطات المتكررة. بهذا المفهوم، يصبح الفشل منبعاً للقوة بدلاً من كونه مصدراً للخوف.
المفارقة الجلية التي يطرحها مارش تكمن في أن النجاح، الذي قد يُنظر إليه من الخارج على أنه الغاية المنشودة، هو في حقيقة الأمر لحظة عابرة لا تمنح الكاتب السكينة المرجوة. بل على العكس، كلما تعاظم النجاح، ازدادت معه الهشاشة الداخلية، حيث يستشعر الكاتب أن العالم يرنو إليه الآن بنظرة أكثر تدقيقاً، وأنه بات مكشوفاً أمام سيل من التوقعات والضغوطات الجديدة. الفشل هنا يتجاوز كونه مجرد عائق، ليصبح عنصراً أساسياً في رحلة النمو الإبداعي والتطور الفني.
وفي خضم هذه المسيرة المحفوفة بالتحديات، تبرز المثابرة كالعامل الجوهري الذي يميز الكاتب الناجح. فالمثابرة ليست مقصورة على مواصلة الكتابة فحسب، بل هي القدرة على تحمل الفشل المستمر واستثماره كحافز لإعادة التفكير والتجديد. الكتابة، في نهاية المطاف، ليست مجرد سعي نحو الإنجاز، بل هي صراع مع الذات، وتقبل لحقيقة أن الفشل هو الثمن الباهظ الذي يتكبده الكاتب في سبيل الوصول إلى تلك اللحظات النادرة من التألق والنجاح.
إن هذه الفكرة العميقة وغيرها من التأملات حول طبيعة الكتابة وحياة الكاتب يمكنكم اكتشافها في كتاب “عن الكتابة والفشل”، الذي ترجمه الكاتب أحمد مشرف، وصدر عن دار شفق للنشر والتوزيع.