نصف ساعة من الكتابة الجادة يوميا ستصنع كاتبًا.
تسعة وتسعون بالمئة من الأحلام الأدبية تموت قبل أن تولد؛ رقمٌ صادمٌ كشف عنه دان براون في حديثه عن واقع الكتابة الإبداعية. فمن بين كل مئة شخص يحلمون بكتابة رواية (أو أي كتاب آخر)، واحدٌ فقط سيحقق حلمه. لكنَّ المفاجأة الحقيقية ليست في الرقم نفسه، بل في السبب البسيط وراءه.
في حديثه المؤثر، أوضح براون أنَّ من بين مئة شخص لديهم فكرة لرواية، عشرةٌ فقط سيبدأون الكتابة، ومن هؤلاء العشرة، واحدٌ فقط سيصل إلى النهاية. هذه الحقيقة تحمل في طياتها بشرى سارة: فمجرد إنهاء كتابك يمنحك ميزةً استثنائية، ويضعك في موقعٍ قويٍّ للحصول على وكيلٍ أدبيٍّ أو عقد نشر.
تأتي قصة ج. ك. رولينج لتؤكد هذه الحقيقة بشكلٍ مذهل؛ فقد كتبت مسودة “هاري بوتر” في مقهًى محليٍّ في إدنبرة، وهي أمٌّ عزباء تعيش على إعانات الرعاية الاجتماعية. كانت تذهب إلى المقهى لتوفير التدفئة لها ولطفلتها الصغيرة، وهناك كتبت روايتها الأولى على أوراقٍ مبعثرة. رفض ناشرون كُثُر مخطوطتها قبل أن تجد من يؤمن بها. واليوم، تُقدَّر ثروتها بمليارات الدولارات، وقد غيَّرت سلسلة هاري بوتر وجه أدب الأطفال إلى الأبد.
وليست قصة ستيفن كينج أقلَّ إلهامًا. ففي بداياته، كان مدرسًا للغة الإنجليزية براتبٍ متواضع، يعيش مع زوجته في مقطورةٍ متنقلة، ويكتب في غرفة الغسيل. رُفضت روايته “كاري” 30 مرة قبل نشرها. وفي لحظة يأس، ألقى مسودة الرواية في سلة المهملات، لكنَّ زوجته تابيثا انتشلتها وشجعته على المحاولة مرةً أخرى. باع حقوق نشر “كاري” مقابل 2500 دولار فقط، لكنها كانت البداية التي قادته ليصبح واحدًا من أنجح الكتّاب في التاريخ، مع أكثر من 350 مليون نسخةٍ مباعة من كتبه.
يواجه الكتّاب المبتدئون عقباتٍ نفسيةً متعددة: الشك الذاتي، والخوف من الفشل، والكمالية المفرطة. لكنَّ براون يؤكد أنَّ انتظار الظروف المثالية أو السُّلفة المالية ليس هو الحل؛ فقد كتب العديد من الكتّاب رواياتهم الأولى وهم يمارسون وظائف أخرى. هنا يكمن التحدي في القدرة على إيجاد الوقت، حتى ولو كان نصف ساعةٍ يوميًا فقط.
لعلَّ أجمل ما طرحه براون هو فكرة الاستمتاع بعملية الكتابة نفسها؛ تلك الرحلة الخاصة مع الشخصيات والأفكار، واستكشاف التفاصيل التي تجعل القصة تنبض بالحياة. فبدلًا من التركيز على هدف النشر فقط، ينبغي على الكاتب أن يقدِّر متعة الكتابة وجمالياتها الفريدة.
الاستمتاع بعملية الكتابة يشبه الحوار الداخلي مع الذات، حيث نكتشف جوانب جديدةً من شخصيتنا وأفكارنا. هذه المتعة في حدِّ ذاتها تمنحنا الطاقة للاستمرار، وتجعل كل جلسة كتابةٍ مغامرةً صغيرة، وكل فصلٍ اكتشافًا جديدًا.
العقبات التي تواجهنا، سواءً كانت مسؤوليات الحياة أو ضيق الوقت، ليست سوى تحدياتٍ يمكننا تجاوزها إذا ركَّزنا على هدفنا وأحببنا ما نقوم به. قد يبدو تخصيص نصف ساعةٍ يوميًا أمرًا بسيطًا، لكنه يصبح رمزًا للالتزام والعزم. فكل دقيقةٍ نمنحها لحلمنا هي خطوةٌ نحو تحقيقه، وكل جهدٍ نبذله يضيف إلى إنجازنا شيئًا فريدًا.
في النهاية، الرسالة الأهم التي نستخلصها من هؤلاء الكتّاب العظام هي ألا نستسلم للصعوبات أو التحديات، بل أن نؤمن بأنَّ خطواتنا الصغيرة اليومية تقودنا، ببطءٍ لكن بثبات، نحو الهدف. فالطريق إلى النجاح ليس سريعًا، لكنه مليءٌ بالإنجازات الصغيرة التي تترك أثرًا كبيرًا في حياتنا. ولنتذكر دائمًا أنَّ كل روايةٍ عظيمة بدأت بكلمةٍ واحدة، وأنَّ الفارق بين الحلم والإنجاز هو تلك الخطوات الصغيرة المتتالية التي نخطوها كل يوم.