“Tokyo Skytree: درس في النظام والخوف والجمال”
في صباحي الأول بطوكيو، كتبت عن مشهد النظام والفوضى في تقاطع شيبويا. والآن، بعد أن هدأت نبضات القلب من ذلك المشهد المهيب، قررت الارتقاء بالتجربة – حرفياً – إلى أحد أعلى المباني في العالم: Tokyo Skytree.
يقف البرج شامخاً بارتفاع ٦٣٤ متراً، وهو أطول برج بث إذاعي مستقل في العالم، وثاني أطول بناء في العالم بعد برج خليفة في دبي. تصميمه المستوحى من السيف الياباني التقليدي يجمع بين عراقة الماضي وتقنيات الحاضر. هندسة معمارية مذهلة صُممت لتقاوم حتى أقوى الزلازل.
بدأت رحلتي من البهو الرئيسي، حيث النظام الياباني في أبهى صوره. تذاكر مجدولة بأوقات محددة، طوابير منظمة، وموظفون يتحركون بانسيابية كأنهم في رقصة متقنة. شاشات ذكية تعرض مواعيد الصعود، وإرشادات واضحة بلغات متعددة.
المصعد السريع يأخذنا إلى المنصة الأولى، Tembo Deck، على ارتفاع ٣٥٠ متراً. هنا، بدأ قلبي يخفق بشدة. ليس فقط من المنظر المهيب، بل من تحدٍ آخر ينتظرني: الـ Glass Floor الشهير.
مجرد النظر إلى تلك المساحة الزجاجية الشفافة من بعيد أحدث في جسدي ردود فعل تلقائية – تسارعت نبضات قلبي، سرت رجفة خفيفة في ساقي، وشعرت ببرودة غريبة تزحف على طول ظهري.
وقفت على مسافة آمنة أتأمل المشهد الإنساني الفريد أمامي. زوار من كل أنحاء العالم، كل منهم في عالمه الخاص – منهم من يلتقط الصور بحماس على الأرضية الزجاجية، وآخرون يتأملون بصمت، وبعضهم مثلي يقف بعيداً. الجميع، رغم اختلاف جنسياتهم وثقافاتهم، يحترمون النظام والحدود الشخصية للآخرين.
من هذا الارتفاع، تبدو طوكيو لوحة فنية متقنة. امتداد المباني باختلاف ارتفاعاتها، شبكة الطرق المنظمة، القنوات المائية التي تشق طريقها بين العمران، وأسطح المباني النظيفة التي تعكس أشعة الشمس.
يمتد البرج لمستوى ثانٍ على ارتفاع ٤٥٠ متراً يسمى Tembo Galleria. رغم أن قلبي كان يخفق بشدة في المستوى الأول، قررت مواصلة الصعود. المصعد السريع يعرض معلومات عن السرعة والارتفاع على شاشته الداخلية، وكأنه يوثق رحلتنا نحو السماء.
في هذا الارتفاع المذهل، يتيح الممر الحلزوني للزوار رؤية بانورامية كاملة ٣٦٠ درجة لطوكيو. المشهد هنا مختلف – السحب أقرب، والمدينة أبعد، وفي الأيام الصافية، يمكنك رؤية جبل فوجي الشامخ في الأفق. إحساس غريب أن تكون على هذا الارتفاع، كأنك معلق بين السماء والأرض.
وبين التأملات في جمال المدينة من الأعلى، تنتشر محلات السوفينير كواحات تقدم استراحة نفسية بين التحديات. محلات أنيقة تعرض نماذج مصغرة من Tokyo Skytree، بطاقات بريدية تحمل مناظر البرج في مختلف أوقات اليوم، وحتى حلويات تقليدية يابانية صُممت على شكله.
الحلويات اليابانية هنا تجربة بصرية قبل أن تكون طعاماً. كعك الموتشي الملون المغلف بأناقة، وصناديق الهدايا المرتبة بعناية، كل قطعة تروي قصة المكان وثقافته. البائعون بابتساماتهم الودودة يشرحون عن كل نوع، متغلبين على حاجز اللغة بالإشارات اللطيفة.
وحين حان وقت الدفع، اصطففت في طابور بدا طويلاً للوهلة الأولى. لكن، كعادة اليابان، كان كل شيء يتحرك بسلاسة مدهشة. الناس يتقدمون بهدوء، والموظفون يعملون بدقة وسرعة متناغمة – يمسحون المشتريات، يغلفونها بعناية، كل شيء يتم بحركات مدروسة دون إضاعة ثانية واحدة.
وأثناء تجوالي، استوقفتني جداريات Jujutsu Kaisen على الممرات. هذا المسلسل الياباني الشهير، الذي يحكي قصة طالب ثانوية يتورط في عالم السحر التقليدي الياباني ومواجهة الأرواح الشريرة، أصبح ظاهرة عالمية منذ إطلاقه في 2020. شخصيات المسلسل تزين الجدران بألوانها الحيوية، وركن خاص في محل السوفينير يعرض تذكاراتها.
هذا المشهد ذكرني برحلتي السابقة إلى سنغافورة، حيث لمست مدى انتشار ثقافة الأنمي اليابانية في آسيا. وها أنا اليوم في موطنها الأصلي، حيث تمتزج عظمة المعمار مع سحر الرسوم اليابانية التي أصبحت جزءاً من القوة الناعمة لليابان حول العالم.
في نهاية الزيارة، أدركت أن Tokyo Skytree ليس مجرد برج للمشاهدة. إنه درس في كيفية مواجهة المخاوف، في احترام حدود الآخرين، وفي جمال النظام الياباني. هو تجربة تجمع بين رهبة الارتفاع، وسحر المشهد، ودقة التنظيم، وسلاسة الحركة – كل ذلك في مكان واحد يختصر روح اليابان المعاصرة.
وبينما أغادر المكان، ألقي نظرة أخيرة على البرج الشامخ، متأملاً كيف أن أجمل التجارب في الحياة تأتي أحياناً من مواجهة مخاوفنا، حتى لو كانت تلك المواجهة من مسافة آمنة.