بين قائمة الأكثر مبيعًا وترشيحات المشاهير: كيف نتعلم فن اختيار الكتاب في موسم معارض الكتب؟
هل أصبحت قوائم الكتب الأكثر مبيعًا أو ترشيحات المشاهير قيدًا يحد من اختياراتنا كقراء؟ وهل يمكن أن نتعلم فن اختيار الكتاب بأنفسنا، بعيدًا عن هذه التوصيات؟
يبدو أن القراءة أصبحت في كثير من الأحيان مرتبطة بتوجيهات تأتي من الخارج، مثل القوائم والتوصيات، مما يجعل الكثيرين يشعرون بضغط هائل في تحديد ما يجب قراءته. هل هذا نتاج طبيعي لعصر السرعة وتعدد الخيارات، أم أن هناك عوامل أخرى تجعل القراء يترددون في اتخاذ قراراتهم بأنفسهم؟
مع اقتراب موسم معارض الكتب، يزداد الإقبال على شراء الكتب، ويتصاعد معه الضغط الذي يشعر به القراء. فالمعارض تُعد فرصة ذهبية لاكتشاف جديد الكتب، ولكن في الوقت نفسه، تصبح ساحة للتنافس على جذب الانتباه بين دور النشر، والمؤثرين، وقوائم الأكثر مبيعًا. في كل زاوية تجد توصيات، وفي كل منصة تبرز كتب مشهورة تُغري القارئ بالشراء.
لنتأمل هذا المشهد الشائع: تتجول في معرض للكتب، وترى أن الجميع يتحدث عن كتاب معين أو أن رفوف الأكثر مبيعًا تلمع بالعناوين الشهيرة. تشعر بالضغط: “إذا لم أقتنِ هذا الكتاب، فربما أفوت شيئًا مهمًا”. هنا يظهر الخوف من تفويت الفرصة (FOMO) والذي يدفع الكثيرين لشراء كتب بناءً على ما يقرأه الآخرون، بدلاً من اتباع حدسهم الخاص.
في عالم القراءة اليوم، وخاصة خلال معارض الكتب، يبدو أن هذا الخوف يسيطر على تجربة الشراء. فكرة “الجميع يتحدث عن هذا الكتاب، فلماذا لا أقرأه أنا أيضًا؟” تجعل القارئ يشعر بأن هناك حاجة للاندفاع نحو الكتاب المشهور، حتى لو لم يكن هذا الكتاب يتماشى مع اهتماماته. الخوف من عدم مجاراة الآخرين ومن تفويت تجربة “عالمية” يحد من حرية الاختيار.
لكن الواقع يختلف عن ذلك. من السهل أن يشعر القارئ بخيبة أمل بعد شراء كتاب مشهور فقط لأنه كان جزءًا من “التيار السائد”، ليجد لاحقًا أنه لا يوافق اهتماماته. وهنا تكمن المشكلة: الاعتماد على توصيات الآخرين قد يفقد القارئ شعور المتعة في الاكتشاف الشخصي، ويجعله عرضة لتكرار نفس التجارب القرائية.
من جانب آخر، هناك قراء لا يملكون الجرأة على اختيار الكتاب بأنفسهم، ويشعرون براحة في الاعتماد على الآخرين لاتخاذ القرار عنهم. الخوف من اختيار كتاب قد لا يعجبهم يجعلهم يفضلون إلقاء المسؤولية على توصيات المشاهير أو قوائم الأكثر مبيعًا. وإذا كان الكتاب غير مرضٍ، يمكنهم دائمًا إلقاء اللوم على من أوصى به، مما يخفف عنهم الشعور بالندم أو الفشل الشخصي في الاختيار.
القوائم الأكثر مبيعًا وترشيحات المشاهير ليست بالضرورة شيئًا سيئًا؛ فهي توفر لنا إرشادات حول الكتب التي تحظى بشعبية في وقت معين. لكنها لا يجب أن تكون المصدر الوحيد لاختيارنا. فهناك كتب عظيمة قد لا تحظى بشهرة واسعة أو لا تظهر على قوائم الكتب الشهيرة، لكنها تستحق الاهتمام.
لحظة اكتشاف كتاب لم يرشحه أحد أو لم يكن ضمن قوائم الشهرة هي لحظة فريدة للقارئ. تلك التجربة الشخصية في اكتشاف كتاب جديد ومميز تخلق تجربة قرائية خاصة، وهي ما يُفقده الاعتماد المفرط على التوصيات والقوائم.
إذا كنت تريد أن تتغلب على الضغوط التي تواجهك في معارض الكتب، إليك بعض خبراتي الشخصية التي قد تساعد:
1. التصفح الأولي:
بدلًا من الانسياق وراء العناوين الشهيرة مباشرةً، خذ وقتك لتصفح الكتاب. اقرأ جزءًا من مقدمة الكتاب أو تصفح الفهرس. هذا يساعدك على فهم ما إذا كان الكتاب يناسب ذوقك الشخصي قبل اتخاذ قرار الشراء.
2. البحث في الأجنحة الأقل شهرة:
لا تقصر زيارتك على الأجنحة الأكثر ازدحامًا، بل اعطِ فرصة للبحث في الأجنحة الأقل شهرة. قد تكتشف كتبًا مميزة لم تحظَ بالضوء الكافي.
3. التحدي الذاتي:
حاول تحدي نفسك بقراءة كتب خارج مجالك المعتاد أو من ثقافات مختلفة. هذا يوسع آفاقك ويجعلك تكتشف موضوعات وأفكار جديدة.
4. الاستفادة من التوصيات بذكاء:
بدلاً من اعتبار التوصيات أمرًا يجب اتباعه بشكل أعمى، استخدمها كنقطة انطلاق للبحث عن كتب مشابهة أو استكشاف فئات أدبية جديدة. التوصيات ليست نهاية الطريق.
5. الثقة في ذوقك الخاص:
ثق بحدسك. القراءة تجربة شخصية، وما يناسب الآخرين قد لا يناسبك. اختيارك الشخصي هو ما يعبر عن ذوقك واهتماماتك.
6. تحمل مسؤولية اختياراتك:
حتى إذا لم يكن الكتاب على قدر توقعاتك، فإن اختيارك له يعني أنك تتحمل مسؤولية تجربتك. هذا يُعد جزءًا من رحلة تطوير ذوقك الأدبي وتعلم ما يناسبك بشكل أفضل.
ختامًا يمكنني القول بأن موسم معارض الكتب هو فرصة رائعة لاكتشاف الأدب والفكر، لكنه قد يصبح ساحة للضغط النفسي إذا تركنا القوائم والتوصيات تسيطر على اختياراتنا. علينا أن نتذكر أن القراءة تجربة شخصية بحتة، وأننا نحن من نقرر ما يناسبنا وما يلبي احتياجاتنا الأدبية والفكرية. وفي النهاية، كل كتاب نختاره يمثل فرصة لاكتشاف جديد، وكل تجربة قرائية تضيف لنا شيئًا، حتى لو لم تكن بالضبط كما توقعنا. فلنستعد اكتشاف متعة التجول في المعارض بحرية، ولنترك لحدسنا وفضولنا حرية الاختيار. ففي هذه اللحظات العفوية قد نجد الكتب التي تترك أثرًا لا يُنسى في حياتنا.