أدبالاتزان الفكريالوعي الذاتيفكريكتب

حين تصبح القراءة ممارسة يومية لا مشروعًا مؤجلًا

اطلعتُ مؤخرًا عبر الموقع الأدبي Literary Hub (مِنصة ليتيراري هَب) على مقتطف من كتاب «Every Day I Read» («كل يوم أقرأ») للكاتبة الكورية Hwang Bo-reum، والتي هي نفسها مؤلفة الرواية الشهيرة Welcome to the Hyunam‑dong Bookshop («مرحبًا بكم في مكتبة هيونام-دونغ») التي حققت انتشارًا واسعًا، ما يمنح لنصائحها حول القراءة وزنًا إضافيًا.

تطرح الكاتبة أولًا فكرة حمل كتاب معك أينما ذهبت. ليس المقصود هنا مجرد امتلاك الكتاب، بل تغيير طريقة إدراكنا للوقت، فالدقائق القصيرة التي تُهدر عادةً في تصفح الهاتف أو الانتظار يمكن تحويلها إلى مساحات معرفية صغيرة. والقراءة هنا لا تهدف إلى قطع شوط كبير، بل إلى تراكم هادئ يجعل وجود الكتاب في اليد أمرًا بديهيًا. هذه الفكرة تعيد تعريف «الوقت الفائض». كثيرون يتعاملون مع لحظات الانتظار كوقت ميت، بينما وجود الكتاب يحوّلها إلى فرص. المهم ليس حجم التقدم في القراءة، بل بقاء القارئ متصلًا بالنص. القراءة المتقطعة لا تعني نقصًا في الالتزام، بل تشير إلى قدرة الكتاب على الانخراط في الإيقاع الطبيعي لليوم.

الاقتراح الثاني يدعو إلى بناء طقس ثابت للقراءة. تحذر الكاتبة من انتظار اللحظة المثالية — مقهى هادئ، أو إجازة طويلة، أو مشهد شاعري — لأن هذه اللحظات نادرة. وبدلاً من ذلك، توصي بخلق بيئة يومية مستقرة: ضوء خافت قرب السرير، وكتاب مفتوح قبل النوم، ومساحة عقلية تسمح بالانتقال التدريجي من صخب النهار إلى تركيز القراءة. الطقس الثابت يبني ارتباطًا بين المكان والزمان والفعل. ومع تكرار هذا الربط، يستجيب العقل للقراءة تلقائيًا دون الحاجة إلى قرار جديد كل مساء. بهذه الطريقة تتحول القراءة إلى ممارسة راسخة لا إلى حدث نادر.

أما الاقتراح الثالث فيتعلّق بالسماح للقارئ بعدم إكمال الكتب التي لا تتوافق مع ميوله أو اهتماماته. فكرة الانتهاء من كل كتاب تبدأ به تبدو في ظاهرها مبدأ جادًّا، لكنها قد تحوّل القراءة إلى عبء غير مجدٍ. هوانغ تنصح بإعطاء الكتاب فرصة عادلة — في حالتي خمسين صفحة فقط— ثم تقييم ما إذا كان يستحق الاستمرار أم لا. هذا يقترح أن الولاء للنص ليس أولوية فوق احترام وقت القارئ وانجذابه لهذا النص. القراءة فعل اختياري، وإذا أصبحت واجبًا — خسرت جزءًا من روحها.

تتوحد هذه الأفكار تحت مبدأ واحد: القراءة ليست مشروعًا وظيفيا يُنجز، بل ممارسة تُغذّى بالاستمرارية، والبيئة الداعمة، والقرار الواعي. عندما نتعامل مع الكتاب كحاضر دائم، لا كصديق نتذكره فقط في لحظة مناسبة، تتحول القراءة من حدث محدود إلى جزء من نسيج الحياة اليومية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى