في وداعِ المعرِض: تأملاتٌ وجودية
”الكتابُ صديقٌ صامتٌ يتكلمُ في غيابِه” – المتنبي
ما معنى أن ينتهيَ معرضُ للكتاب؟ هل ينتهي حقاً؟
في اللحظةِ التي أُغلِقَت فيها الأبواب، تحوَّلَ المكانُ من فضاءٍ للتلاقي إلى ذاكرةٍ جمعيَّة. ما حدثَ هنا لم يكن مجردَ تبادلٍ للكتب، بل كان تشكُّلاً لوعيٍ ثقافيٍّ جديد.
نحنُ لا نودِّعُ معرضاً، بل نودِّعُ لحظةً في تاريخِ التحوُّلِ المعرفي. كلُّ كتابٍ انتقلَ من رفوفِ العرضِ إلى مكتباتٍ شخصية هو بذرةٌ لتغييرٍ قادم. وكلُّ حوارٍ دارَ بين كاتبٍ وقارئ هو نقطةُ تحوُّلٍ في مسارِ الفكر.
من موقعي كناشر، أدركتُ أن سؤالَ “ماذا يقرأُ الناس؟” هو في حقيقتِه سؤالٌ عن “ما الذي يُشكِّلُ وعيَنا الجمعي؟” فالقراءةُ ليست فعلاً فردياً، بل هي نسيجٌ اجتماعيٌّ يتشكَّلُ في صمت.
أما الكتابة، فقد بدت لي في هذا المعرضِ كفعلِ مقاومةٍ للنسيان. نحنُ نكتبُ لأننا نريدُ أن نترُكَ أثراً في ذاكرةِ الزمن. وحين نلتقي قُراءَنا، ندركُ أن الكلماتِ التي خطَّتها أيدينا قد أصبحت جزءاً من وعيٍ آخر.
في نهايةِ المعرض، لم تكن الكتبُ هي ما يُحزننا فراقُه – فهي معنا. ما نفتقدُه هو تلك اللحظةَ النادرةَ التي يتحوَّلُ فيها الفعلُ الثقافيُّ من حالتِه الفرديةِ إلى حالةٍ جماعيةٍ نابضة.
وإذا كان المعرضُ قد انتهى في بُعدِه المكاني، فإنه سيستمرُّ في البُعدِ المعرفي. كلُّ فكرةٍ تمَّ تبادلُها هنا ستنمو وتتشعَّب، وكلُّ كتابٍ سيفتحُ باباً لأسئلةٍ جديدة.
وإلى لقاء قريب في معرض جديد.