مراجعة كتاب “معضلة الشغف”. بقلم كريم الهزاع
جِد شغفك واتبعه!
كتابتي عن الشغف هنا تتحدث عن شغف القراءة والكتابة، بفعل إزاحةٍ، مستندًا إلى كتاب “معضلة الشغف” لـ”براد ستلبيرغ” و”ستيف ماجنيس”، الصادر عن دار “شفق” للطباعة والنشر والتوزيع، ترجمة باسمة الصباحي.
الشغف وحده ربما لا يصنع شيئًا، لكن مع الإصرار يطرح ثمار نجاح، إذا تمكنت من السير وراء شغفك فستبدأ قصتك، وكل شيء سيكون في مكانه الصحيح، جِد شغفك، فلن تجد من يخبرك كيف تكون شغوفًا، أن تجد شغفك يعني أن تكون لديك رغبة جامحة لا تنطفئ، رغبة جامحة مشتعلة بالحب، هذا يعني أن لا شيء مهم عدا الأمر الذي ترغب فيه، بمعنى آخر أنه تحديد الهدف، هدف واحد ليس له أهداف منافسة، وهذا يعني حرق كل الجسور والتضحية بكل شيء من أجل تحقيقة.
يعني أنه بالرغم من حضورك جسديًّا على مائدة عشاءٍ برفقة عائلتك، يكون عقلك في مكان آخر، يعني كيفية إنجاز مشروعك الكتابي، ما يضفي عليك نوعًا من السعادة والسلام الداخلي عند صدور كتابك، وأن لا يكون ذلك المنجز هو نهاية المشوار، كذلك لا تنسَ عنصر الاستقلالية لأنها عامل مهم لاستمرارية الشغف والسعادة، ويبدأ ذلك بالإجابة على سؤال: من أنا؟ وما الذي عليَّ فعله في حياتي؟ وتذكّر أن شغفك في حاجة إلى طاقة وتفرغ. وإذا كان “جريشام” الكاتب المشهور يعتمد على عمله كمحامٍ في كتابة قصص الجريمة، فأنت تستطيع أن تجعل من القراءة المستمرة العنيدة للكتب وبشوق في كل المجالات مصدرًا مهمًّا لتحفيزك على الكتابة. لا يكفي أن يكون لديك رغبة أو شغف لتتبعه بل يجب أن يكون لديك هوس بما تحب ربما إلى حد الجنون، والجميل هو أن يكون شغفك من أجل شغفك نفسه، وليس من أجل الجوائز والمال والشهرة، واحذر الخوف من الفشل لأن ذلك يسلبك شغفك، ولا ينبغي أن يتولد شغفك من الخارج وإنما من الداخل، ولا تُحبَط حينما لا تجد صدى لدى الآخرين لما تُبدع، وعليك أن تستمر في مشروعك بالشغف إلى النهاية وأن تقودك المتعة إلى ذلك، إذ إن المتعة عامل رئيسي لطرد الملل واليأس، لتحقيق نوع من السعادة التي تحقق الرضا، وتخلق معنى لما تفعل وقناعة، وشعورًا متناميًا بالحياة يبعدك عن الشعور بحالة الخواء أو اللاجدوى فيما تفعل، واحذر أن تُفلِت الخيط من يديك، أو تركن إلى مبررات ساذجة تُبعدك عن مشروعك، اقرأ واكتب وانشر، وحتى لو لم تنشر، يكفيك أنك مستمتع بما تفعل ونار الشغف مشتعلة. أنت هو أنت، والآخرون هم الآخرون، إنشادك أقوى من إنشاد المنادي، يقول دوستويفسكي: “لا أؤمن بفكرة أننا في حاجة إلى شخص يكمل نقصنا، الإنسان في حاجة إلى طموح، إلى شغف يدفعه للحياة، في حاجة إلى شيء لا يجده إلا في نفسه.” ربما هم يعولون عليك ويتمنون أن يروا حصادك، قدِّر لهم ذلك، ولكنهم لن يتفهموا عزفك المنفرد وعدم انضمامك إلى الجوقة، لن يتفهموا أن لديك جوقة من العظماء تتجلى معهم، وتُجري معهم حوارات داخلية وحالات من التخاطر عابرة للمكان والزمان والأفكار بعيدًا عن حساسية الملكية، لن يتفهموا أنها حالة من الطيران لا تتفهمها الكائنات الأرضية، اللامرئيون هم من يحبونك ويحفونك بذلك الأثير الخاص والنخبوي بعيدًا عن كل أنواع الرطانة وثقافة السوق والمصالح والأضواء والتفاهة، وبذلك لن يسحبوك إلى الفخاخ التي نُصبت لهم ولك، وهذه الحالة تُسمى حالة انتباه وليست حالة غرور أو تعالٍ، والحضور والغياب هما حالة فراغ بين الداخل والخارج، لذا فلا مانع من حالة الخروج من العزلة إذا كانت مستحقة، والانسحاب إلى الداخل هو من أجل التطوير ونفض غبار الخارج، إذ عليك أن تقارن بين ذاتك وذاتك، وليس بين ذاتك والآخرين. لذا اُكتب لتتنفس وتعود إلى حالة الكتابة. اكتب لتعبِّر وتحافظ على شغفك، أو اقرأ لتجد ذلك التحفيز على الكتابة. أجبر نفسك على مقاومة نزعة الفوز والخسارة للحفاظ على دافعك الداخلي للاستمرار، للحفاظ على شغفك. وهي فرصة للتقييم الإيجابي، وعندما تراجع وتعزز قيمك الأساسية فإنك تغير تشكيل دماغك بشكل إيجابي. عُد إلى نفسك. نَمِّ تحفيزك الداخلي. اضبط بوصلتك. وإذا أخفقت مرةً فحذارِ أن تحاول الدفاع عن نفسك بلوم الآخرين. أو أن تُبدي حالة من التذمر، إذ لن تجد من يُنصت إليك. ليست كل القلوب مفروشة بالورد. ابتلع الأمواس بدلًا من أن تتلقى سكاكين في القلب أو الخاصرة. لا تعبر النهر قبل وصوله. يقول معلم الأيكيدو “جورج ليونارد”: “لتتعلم أي شيء ذا قيمة، ولتغير أي شيء فيك تغييرًا دائمًا، عليك أن تكون مستعدًّا للانتظار”. قف خارجًا وحدِّق إلى أقرب جدار، أو كما يقال: راقب الطلاء وهو يجف. يقول المؤلف ومهندس الدراجات النارية “ماثيو كرافورد”: “لتستمع بنشاط معين عليك أن تندمج فيه، كما لو أنه احتواك بالكامل، لا يحدث هذا الاحتواء إلا من عقلية متوحدة وانتباه لكل ما يجعل هذا النشاط جديرًا بالممارسة”. إن الاندماج العميق هو وقود الشغف المتناغم. إن ما نركز فيه انتباهنا يؤثر بشكل كبير في أفعالنا يومًا بعد يوم، وسنة بعد سنة، بل يمتد حياةً بأكملها. لا ينبغي أن تنشغل بالماضي ولا بالمستقبل، ولا بآراء الناس فيك أو في أعمالك، بل عليك أن تتصل تمامًا بما تقوم به، وتكون حاضرًا فيه بكليَّتك، وهذا لا يعني أن تفقد توازنك، وكما يقول “جيم رون”: “حياةٌ من دون توازن قد تكلفك صحتك، روحانيتك، ثروتك وسعادتك، لذا أوجِد أمورًا تحفزك في كل جانب من جوانب حياتك، فنجاحك مقرون بها”. فكر في تجاربك الشخصية. في الأوقات التي شعرت فيها بأعلى درجات الحيوية. أخلص لشغفك، وإذا أردت أن تكون رائعًا ومحترفًا ومستمتعًا بشيء واحد، فعليك أن تقول: لا. لأشياء أخرى كثيرة، وأفضل طريقة هي أن تعطي كُلّك لشيء معين. وفي إمكانك أن تكون بارعًا في مجالين فقط في الوقت نفسه، وأيُّ زيادة على ذلك ستؤدي إلى التقصير في كل شيء. الشغف معاناة عليك تحملها، مع أنه من الصعب، إن لم يكن مستحيلًا أن يجتمع الشغف والتوازن؛ الشغف والإدمان على صلة قرابة وطيدة. ولكن لا تجعل ذلك على حساب صحتك، لذا عليك أن ترتاح، أن تنام عميقًا بعد يوم طويل من العمل؛ إن جسمك لا ينمو ولا يحقق أي تقدم في أثناء عملك، وإنما في أثناء نومك. ولكي تتحكم في اندفاعك نحو شغفك عليك بالتأمل العميق. مِت فارغًا، فكِّر في الموت، لا يوجد تذكير أعظم على أن وقتنا في هذه الحياة محدود، ولا تقنية أفضل للتركيز في ما نريده بالفعل في حياتنا، من التفكُّر في نهايتنا المحتَّمة. لذا فمن يمتلك موهبة الكتابة عليه أن يقضي وقته في ذلك الشغف. إن الوقت محدود وهو الثروة الأثمن، حينما تأوي إلى فراشك للنوم في المساء، هل أنت متأكد من أنك ستصحو في اليوم التالي؟ لذا فكِّر، كيف تود أن تكون ذكريات الناس عنك؟ ما الأعمال التي تريد أن تقدمها إلى هذا العالم؟ يقول “سينيكا”: “من السهل أن تمضي في حياتك من دون التفكير في الحقيقة الأكيدة، وهي أن وقتك يمضي على الدوام، الحياة طويلة إن أنت عرفت كيف تعيشها”. الحياة ستنزلق بهدوء. تأمل. استمع للموسيقى التي تفضلها. اقرأ سِيَر الآخرين ومذكراتهم ورسائلهم. اجعل الكتابة هُويتك الحقيقية والوحيدة. إن ما يحدِّد هويتنا هو كيف نؤثر في الناس وكيف نتأثر بهم، ولكن ما يمكننا التحكم فيه هو كيف نرى أنفسنا. قصتنا. سيرتنا الذاتية. الشيء الوحيد الذي يبني هويتك أكثر من الشغف هو قصتك الداخلية، الرواية التي تحكيها عن نفسك لنفسك، وكيفية كتابتك لها يحدد بشكل كبير مشاعرك وأفعالك عندما يحين وقت تخطِّي شغفك، وهنا تكمن القوة، إذا تحكمت في كتابة قصتك فسوف تتحكم في كتابة حياتك، عش شغفك بوعي.