ما وراء الصفحات المغلقة: سحر الكتب غير المقروءة
منذ مدة، وبينما كنت أتصفح مواقع التواصل الاجتماعي، استوقفني مقطع فيديو قصير تحدث فيه الصديق المثقف الجميل غيث الحوسني عن مفهوم “المكتبة المضادة”. أثار المصطلح فضولي، ودفعني للبحث أكثر عن معناه وأصله.
اكتشفت أن مصطلح “المكتبة المضادة” صاغه المفكر نسيم نيكولاس طالب في كتابه الشهير البجعة السوداء عام 2007. والمدهش في الأمر أن هذا المصطلح يشير ببساطة إلى مجموعة الكتب التي نمتلكها ولكننا لم نقرأها بعد. قد يبدو الأمر غريبًا للوهلة الأولى، لكن مع تعمقي في الفكرة، تجلت أهميتها وعمقها.
المكتبة المضادة ليست مجرد رفوف من الكتب غير المقروءة، بل هي تمثيل للمعرفة المحتملة والإمكانيات غير المستغلة. إنها تذكرنا بأن هناك دائمًا المزيد لنتعلمه، وأن جهلنا هو جزء لا يتجزأ من رحلة التعلم. هذه الفكرة تتحدى المفهوم التقليدي للمكتبة الشخصية التي تحتوي فقط على الكتب المقروءة، وتدعونا إلى إعادة النظر في قيمة الكتب التي لم نفتحها بعد.
رغم أن طالب هو من صاغ المصطلح، إلا أن جذور الفكرة يمكن تتبعها في أعمال كتاب ومفكرين سابقين. فمثلًا، نجد في قصة مكتبة بابل للكاتب الأرجنتيني خورخي لويس بورخيس تصويرًا لمكتبة تحتوي على كل الكتب الممكنة، مما يعكس فكرة المعرفة اللامتناهية. كذلك، كان الكاتب الإيطالي أومبرتو إيكو يمتلك مكتبة ضخمة تضم آلاف الكتب، كثير منها لم يُقرأ، وكان يرى فيها تمثيلًا للإمكانيات المستقبلية للمعرفة.
قيمة المكتبة المضادة تكمن في كونها مصدرًا دائمًا للتحفيز على التعلم. فوجود كتب غير مقروءة يشعل فينا الفضول ويدفعنا لاستكشاف آفاق جديدة. كما أنها تعزز التواضع العلمي، فهي تذكرنا دائمًا بحدود معرفتنا وبأن هناك الكثير مما لا نعرفه بعد. إضافة إلى ذلك، فإن مجرد النظر إلى رفوف الكتب غير المقروءة يمكن أن يكون مصدرًا للإلهام، يثير فينا أفكارًا جديدة ويدفعنا لاستكشاف مواضيع لم نفكر فيها من قبل.
المكتبة المضادة تعكس أيضًا تنوع اهتماماتنا وانفتاحنا على مختلف المجالات. فهي تمثل مرونتنا الفكرية واستعدادنا لتقبل أفكار جديدة. كما أنها قد تكون ذات قيمة مستقبلية، فالكتاب الذي لم نقرأه اليوم قد يكون مصدر إلهام أو معلومات قيمة في المستقبل.
في النهاية، المكتبة المضادة ليست مجرد مفهوم نظري، بل هي دعوة لإعادة النظر في علاقتنا بالمعرفة والتعلم. إنها تذكرنا بأن رحلة اكتساب المعرفة لا تنتهي أبدًا، وأن الكتب غير المقروءة ليست عبئًا، بل هي كنز من الإمكانيات والاحتمالات. فكيف تنظرون أنتم إلى كتبكم غير المقروءة؟ هل ترون فيها عبئًا يثقل كاهلكم، أم بوابة لعوالم جديدة من المعرفة تنتظر الاستكشاف؟