يا صاحبي لننتظر ركود الطين!
يحكى أن حكيما كان مسافرا مع جمع من أصفيائه وأتباعه من قرية إلى قرية أخرى، وبعدما ساروا لفترة من الزمن قرروا أخذ استراحة لبعض من الوقت حتى يتمكنوا من مواصلة المسير. وكانت على مقربة من المكان الذي استراحوا فيه بحيرة صغيرة، فقال الحكيم لأحد الأتباع: اذهب إلى البحيرة واملأ هذه القِرَب بالماء وأحضرها لنشرب ونطبخ بعض الطعام. فذهب الرجل إلى البحيرة ومعه القِرَب الفارغة، وحين أقبل عليها وجد على الشاطئ الكثير من النساء يغسلن الملابس والأواني، والكثير من الأطفال بقربهن يلعبون ويسبحون في البحيرة، والكثير من الأغنام والأبقار تشرب من ذات البحيرة على مقربة، ووجد الماء وقد غدا موحلا جدا، فقفل الرجل عائدا إلى حيث الحكيم وأصحابه، ليقول له ان الماء موحل جدا ولا يصلح للشرب أبدا.
طلب الحكيم من الرجل أن يجلس ويستريح لبعض من الوقت، وبعد ساعة أو اثنتين، طلب منه مجددا أن يذهب إلى البحيرة ذاتها وأن يحضر الماء للشرب والطبخ، فذهب الرجل مسرعا، وحين أقبل كانت الشمس على وشك الغروب، وأمسى المكان هادئا جدا، فقد عادت النساء إلى بيوتهن مصطحبات معهن أطفالهن، وذهبت الأغنام والأبقار إلى حظائرها لتنام، فسكنت مياه البحيرة وصفت، واستقر الوحل والطين في قاعها، ليصير الماء صالحا للشرب، فملأ الرجل قربه بالماء وعاد إلى سيده الحكيم وأصحابه.
ملأ الحكيم كوبا من الماء ونظر إليه قبل أن يشربه فوجده صافيا جدا، فقال لأصحابه: هل رأيتم ما حصل؟ لم يكن صاحبنا بحاجة لعمل أي شيء كي يصفو الماء. كل ما كان بحاجة إليه أن يجلس ليستريح بعض الوقت، وأن يترك البحيرة ليصفو ماؤها لوحده. وعقولكم ونفوسكم هي كذلك تماما. حين تتعكر بضغوط الحياة ومشاكلها، وحين يعصف بها الإحباط والقلق، وحين يشتعل بها الغضب من شيء ما اعترض سبيلكم، فمن الخطأ كل الخطأ أن يحاول الواحد منكم أن يعمل شيئا حينها، أو حتى أن يتخذ قرارا. كل ما يحتاجه في تلك اللحظة، أن يعطي نفسه فترة من الراحة ليصفو عقله وتهدأ نفسه، وبعد حين ستنجلي الغمة وسيتمكن من الرؤية واتخاذ القرارات بشكل أفضل.
هذه القصة الرمزية الأسطورية، تعبر وبدقة عن واقع نعيشه جميعا في عصرنا السريع المتسارع الحالي. نمط الحياة اليوم صار يتطلب منا اتخاذ قرارات سريعة طوال الوقت، سواء في العمل أو في البيت أو في الحياة الاجتماعية عموما، وصارت كل الأدوات من حولنا مجهزة ومهيأة لاتخاذ هذه القرارات والردود السريعة. في يد كل واحد منا اليوم هاتف نقال من أحدث طراز، وفي مقر عمله وبيته جهاز كمبيوتر مرتبط بالإنترنت وبكل العالم من حوله طوال الوقت، ورد الفعل وقرار اللحظة، سواء أكان حسنا أو سيئا، حين ينطلق سيصل هدفه خلال ثوان معدودة، ليحصل الأثر، حسنا كان أو سيئا أيضا.
هذه الوسائل فائقة السرعة، تمثل ولا شك نعمة كبيرة للإنسان، ولكنها في الوقت ذاته تحمل في طياتها متاعب كثيرة. كان الإنسان في السابق، يوم كان محروما من هذه الأدوات، ومن القدرة على التواصل اللحظي السريع، في معزل، من حيث لا يدري، عن الوقوع في منزلق رد الفعل العجول. لم يكن وقتذاك قادرا على إرسال “مسج” من هاتفه النقال ليجد نفسه وقد ندم بعده، ولم يكن قادرا على “التغريد” في تويتر في لحظة تسرع يجد نفسه على إثرها في ورطة تصعب لملمتها، ولم يكن قادرا على إرسال صورة في “واتس أب” دون حساب للعواقب التي قد ترميه في مشكلة غير متوقعة، ولم يكن قادرا على إرسال “إيميل” في لحظة غضب يندم بعدها أشد الندم. كان الفعل آنذاك مفصولا، بحكم الواقع البطيء نوعا ما، عن رد الفعل، وكانت وتيرة الحياة المتأنية تعطي الإنسان الفرصة ليهدأ وليراجع نفسه، وليفكر مرة واثنتين فيما سيقول وما سيفعل، ليجد نفسه وقد قرر في أحيان كثيرة أنه سيكتفي بألا يقول او يفعل شيئا، لأن الأمر لا يستحق.
صحيح أن لأهل تلك الفترة أخطاءهم التي كانت تنتج من استعجالهم وردود أفعالهم المتسرعة أيضا، ولكنهم كانوا أحسن حالا منا اليوم بكثير، فأدوات الاتصال السريع التي وضعها العلم الحديث في أيدينا في هذا العصر، أضحت وكأنها مربوطة بشكل مباشر بأحاسيسنا ومشاعرنا، أو غدت وكأنها امتداد لجوارحنا التي نعبّر بها، فصارت اليد أطول بكثير حين تبطش، والقدم أكثر قدرة على الوصول نحو ما كان يصعب الوصول إليه، واللسان أحدّ وأعلى صوتا. يغضب الواحد منا فيرسل رسالة لمن أو عمن غضب منه، لتتردد في الآفاق. ينفعل فيغرد شاكيا ساخطا متذمرا، ليردد صدى صوته العشرات والمئات والآلاف. يخاصم فيكتب وينشر على الانترنت ما يكون في وسع الدنيا بأسرها أن تقرأه خلال لحظات.
في خضم هذا العالم السريع المخيف، وتحت ظل هذه السيوف القاطعة المسلطة على رقاب علاقاتنا الاجتماعية والإنسانية، والتي تهددها بالتجريح، بل القطع مع كل مسج وتغريدة وإيميل وتدوينة في الانترنت، قد نقترفها دون حساب للعواقب ودون تمحيص وبلا تأن وتمهل، فإننا صرنا في حاجة ولا شك لوقفة، بل لوقفات كثيرة للمراجعة. صرنا في حاجة لأن نتوقف عن الجري في عجلة هذه الحياة المحمومة، وأن نقتطع من وقتها وفي أحيان متتالية، ساعات وساعات لنهدأ ونتأمل، علنا نستعيد استقرار نفوسنا، ليمكن لنا بعدها أن نسيطر مجددا على انفعالاتنا وردود أفعالنا.
نحن اليوم في حاجة لهذا كثيرا، حتى يركد الطين العالق في النفوس وفي ثنايا العقول وأمام العيون، لتصفو الرؤية من جديد، وتشرق الشمس من كل الاتجاهات من جديد، فهل تُرانا سنفعل؟!
و نحن مقبلون يا سيدي الكريم على الفايف جي. و السكس جي .! و السفن لما لا؟ اين تتجه البشرية و ما هي عواقب ما ذكرته؟ بل كيف سيتطور الانسان و كيف سوف يُعاد تشكيل الدي ان اي ليواكب هذه السرعة المفرطة بعدما اصبحت جزء من حياتنا. بل التصقت بأيدينا هواتفنا فأصبح مكانها مكان الأكسجين نشتمه لتعيش مشاعر الرضا بالايكات و التفاعل مع البوستات و عدد الريتويت! و دواليك دواليك…
و ان كنا ندعي الوعي و ننكر انه له تأثير علينا. يا صديقي من يقول هكذا نفسه تكذب عليه. اذاً ما الحل؟
لا يوجد سوى حل واحد “انقطع لتتصل” كلما وضعت وضع الطائرة بالموبايل اشعر في فُسحة في عقلي هدأ وطأتها كأنما ابطأت تلك العجلة التي وقودها الاخبار و و و و و و ….الخ
انقطع واهجر و ابتعد و حاضن نفسك و قل لها يا نفس ويحك ما الذي حصل؟ اين كنا و اين اصبحنا؟ هل ما زلت تعرف من ‘انت’؟
. بل لنتطرق لموضوع آخر. هل العلاقات البشرية بالحقيقة لم تُصبح زيفاً كزيف ما ذكرت؟ اكثرها و ليس جميعها. و تلك الابتسامة التي نعطيها لانفسنا عندما نستوعب….. ان الحياة لحظات و ثواني… فكيف قضيت هذه الثواني؟؟
لخبطات مشاعر و كلام ااخذ ما تريد و دع ما لا تريد لكن تذكر ان كل هذا
“””” وهم “”””””ح”””””””””””ي”””””””ا”””………………♾