حكاية الفرقة ٦٨٨٨. حكاية تستحق أن تحكى!
بعد أن انتهيت من مشاهدة فيلم ٦٨٨٨ ( The Six Triple Eight)، شعرت أن القصة التي رأيتها على الشاشة، رغم قوتها، لم تكتمل في ذهني. دفعني الفضول للبحث عن الحقائق وراء هذا العمل الإبداعي، وسرعان ما وجدت نفسي أمام تفاصيل مذهلة تعمق جمال الحكاية وتجعلها أكثر تأثيرًا.
الكتيبة ٦٨٨٨، المؤلفة من ٨٥٥ امرأة أمريكية من أصل أفريقي، لم تكن على علم دقيق بطبيعة المهمة التي ستكلف بها عندما غادرت الولايات المتحدة إلى أوروبا. توقعت النساء أن تكون مهمتهن مجرد أعمال إدارية روتينية لدعم الجهود الحربية، ولكن عند وصولهن إلى بريطانيا، واجهن مفاجأة صادمة: مستودعات ضخمة تعج بأكثر من ١٧ مليون رسالة وطرود مكدسة، بعضها مهمل منذ سنوات.
كانت الرسائل، رغم تراكمها الفوضوي، تحمل أرواحًا. كلمات حب واشتياق من الأمهات والآباء والأصدقاء، رسائل تُبقي الجنود على قيد الأمل وسط وحشية الحرب. أدركت الكتيبة أن مهمتها لم تكن مجرد تصنيف للبريد، بل إعادة بناء الروابط الإنسانية التي كانت الحرب على وشك تدميرها.
الظروف التي واجهتها النساء كانت قاسية بكل المقاييس. المستودعات كانت باردة ومظلمة، والبيئة غير صحية، مع وجود القوارض في كل مكان. بالإضافة إلى ذلك، كان عليهن العمل في مجتمع يفرض عليهن قيودًا عنصرية ويشكك في قدراتهن. ومع ذلك، لم تدع هؤلاء النساء تلك التحديات تحبطهن.
قسمن العمل إلى نوبات على مدار ٢٤ ساعة، وابتكرن أنظمة جديدة لتنظيم وتصنيف البريد، ما مكنهن من تحقيق المستحيل. في أقل من ثلاثة أشهر، أنجزن مهمة كان يُعتقد أنها ستستغرق شهورًا عديدة. وبهذا العمل الجبار، لم يرفعن فقط معنويات الجنود، بل قدمن للعالم درسًا في القوة والمرونة.
ما يجعل القصة تتجاوز الحرب نفسها هو العمق الإنساني الذي تحمله. هؤلاء النساء لم يكنّ فقط يعالجن الرسائل، بل كنّ يعدن الأمل والإنسانية في وقت فقد فيه الكثيرون الإيمان بأي شيء. كل رسالة صنفتها أيديهن كانت شهادة على أن العمل المخلص الصادق يمكن أن يغير العالم، حتى في أحلك الظروف.
الفيلم الذي شاهدته كان رائعًا في سرد القصة وتجسيد المشاعر، لكنه، كما هي الحال دائمًا، لن يكون بروعة الواقع. لأن الواقع يحمل في طياته تلك التفاصيل التي لا تستطيع الكاميرا أن تلتقطها، تلك اللحظات الصغيرة التي تعبر عن الروح الإنسانية في أوج عظمتها. القصة الحقيقية للكتيبة ٦٨٨٨ ليست مجرد فصل من فصول الحرب؛ إنها درس خالد في الإصرار والصمود والعمل من أجل الأمل.