أخلاقياجتماعيالاتزان الاجتماعيالاتزان الحياتيعاطفيعلميفكري

تمكين الجيل القادم من خلال التعليم الأخلاقي

"وظيفة التعليم تعليم الفرد كيف يفكر بذكاء وكثافة بمنهجية نقدية بالإضافة إلى بناء الشخصية، هذا هو هدف التعليم الحقيقي." - مارتن لوثر كينج الابن.

أود اليوم الحديث عن شيء استثنائي وملهم، أظنه يحمل القدرة على تشكيل المستقبل نحو الأفضل لو تم تطبيقه حقا: إنه التعليم الأخلاقي.

وجدت مقالا رائعا في مجلة Greater Good، التابعة لمركز Greater Good Science في جامعة كاليفورنيا – بيركلي، يتحدث عن أهمية تعليم الأخلاق والالتزام بالفضائل للأطفال والشباب. والجميل في المقال أنه لم يكن إنشائيا مجردا، بل كان مدعما بالأدلة العلمية،

أولا، لنعرف ما المقصود بالتعليم الأخلاقي.

يهدف التعليم الأخلاقي إلى تنمية وتطوير نقاط القوة الشخصية مثل الشجاعة، والتعاطف، والمرونة في الأطفال، وذلك بعدما أثبتت الدراسات الاجتماعية والسلوكية وأشار العديد من المتخصصين إلى أن الفضائل لها دور جوهري في نجاح وإثراء الحياة الشخصية والمهنية للفرد. على سبيل المثال، تُسهم الفضائل مثل التعاطف والذكاء الاجتماعي في تعزيز العلاقات الإنسانية، والتي يمكن أن تؤثر إيجابيًا بعد ذلك على الصحة البدنية والنجاح المهني.

تطوير وتنمية الفضائل الشخصية عند الأطفال والشباب سيسهم في تقويتهم وتمكينهم على أصعدة عديدة منها ما يلي.

أولا، الاستقرار العاطفي: الفضائل مثل المرونة والتحكم بالانفعالات مهمة بشكل كبير لضبط التوازن الحياتي والنجاح والرفاهية العاطفية، حيث تظهر دراسة نُشرت في عام 2019 في مجلة دراسات السعادة Journal of Happiness Studies علاقة طردية قوية بين الاستقرار العاطفي والفضائل مثل التحكم بالانفعالات الذاتية والمرونة (Hausler وآخرون، 2017).

ثانيا، النجاح الأكاديمي: غالبا ما تكون الصفات الأخلاقية مثل العمل الجاد والمثابرة هي الأساس الذي يقوم عليه النجاح الأكاديمي. وقد أظهرت الأبحاث التي أجرتها أنجيلا داكوورث وزملاؤها أن “العزيمة” هي المؤشر الأكثر أهمية للنجاح من معدل الذكاء (Duckworth وآخرون، 2007).

ثالثا، اتخاذ قرارات أفضل: يُشير المقال أيضًا إلى أن تنمية الفضائل وتعزيزها من شأنه أن يساعد الشباب على اتخاذ قرارات حياتية أفضل. على سبيل المثال، ممارسة الحذر والتحكم الذاتي يمكن أن تقلل من السلوكيات غير السوية مثل الانجراف نحو التدخين أو تعاطي المسكرات أو المواد المخدرة.

رابعا، تحسين الصحة النفسية: أظهرت دراسة نُشرت في مجلة علم النفس الإيجابي Journal of Positive Psychology أن الفضائل الشخصية مثل الامتنان والتفاؤل والإيجابية يمكن أن تكون وسائل حماية ضد الاكتئاب والقلق (Wood وآخرون، 2011).

خامسا، تعزيز التناغم الاجتماعي: يُعزز تعليم الأخلاق والفضائل مثل اللطف والتعاطف من ثقافة التفاهم والتقبل، مما يقلل من التنمر المدرسي والتوتر الاجتماعي بين الأطفال والشباب. تظهر دراسة نُشرت في عام 2015 في مجلة علم النفس المدرسي التطبيقي Journal of Applied School Psychology تقليل معدلات التنمر المدرسي في الأنظمة والمدارس التي يتم فيها تعليم التعاطف واللطف بشكل تطبيقي (Binfet وآخرون، 2015).

وأما السبيل لتطبيق التعليم الأخلاقي للأطفال والشباب فيكون من خلال المسارات التالية.

أولا، من خلال دمجه في المناهج الدراسية: لا يحتاج التعليم الأخلاقي إلى أن يكون منهجا مستقلًا، بل يمكن دمجه في المواد الدراسية الحالية مثل الدراسات الاجتماعية، والأدب، وحتى مواد العلوم المختلفة.

ثانيا، إبراز نماذج القدوة: يمكن للمعلمين، والآباء، وقادة المجتمع أن يكونوا نماذج يحتذى بها، يعرضون الأخلاق العالية والفضائل في سلوكهم.

ثالثا، تطبيقات العالم الحقيقي: وذلك من خلال تشجيع الأطفال والشباب على تطبيق الفضائل في سياقات الحياة اليومية، مثل المشاركة في الأنشطة الجماعية، وحل النزاعات في المدرسة، أو التطوع في خدمة المجتمع.

رابعا، جلسات التفكير والوعي الذاتي: وذلك عبر تشجيع الأطفال على التفكير في تصرفاتهم والتفكير في كيفية تطبيق القيم والفضائل في المواقف المختلفة.

ختاما، من المهم أن ندرك أن التعليم الأخلاقي ليس مجرد مفهوم مثالي؛ بل وسيلة مدعومة علمياً لإنشاء وتنمية الأفراد المتوازنين، المستقرين عاطفياً، والقادرين على النجاح اجتماعيا ومهنيا. إن المستقبل بيد الشباب، وبذور الفضيلة التي نزرعها فيهم اليوم ستحدد نوع العالم الذي سنعيش فيه غدًا.

دمتم ملهمين، ولنعمل معاً لتمكين أطفالنا وشبابنا لمستقبل أفضل.

آمل أن تكونوا قد وجدتم هذا المقال مفيدًا ومحفزًا.

لا تترددوا في مشاركة آرائكم أو تجاربكم في قسم التعليقات أدناه.

 

المراجع

  • – Hausler, M., Strecker, C., Huber, A., Brenner, M., Höge, T., & Höfer, S. (2017). Distinguishing relational aspects of character strengths with subjective and psychological well-being. *Journal of Happiness Studies*, 18(2), 441-456.
  • – Duckworth, A. L., Peterson, C., Matthews, M. D., & Kelly, D. R. (2007). Grit: perseverance and passion for long-term goals. *Journal of personality and social psychology*, 92(6), 1087.
  • – Wood, A. M., Joseph, S., & Maltby, J. (2011). Gratitude predicts psychological well-being above the Big Five facets. *Personality and Individual Differences*, 50(4), 443-447.
  • – Binfet, J., Passmore, H., Cebry, A., Struik, K., & McKay, C. (2015). Reducing Adolescents’ Stress through a School-Based Human-Animal Interaction Program. *Journal of Applied School Psychology*, 31(4), 390-409.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى