الاتزان الحياتي

أشعل نفسك بالحياة قبل أن تبتلعك الرتابة

“كان هناك رجل يُدعى جو يعمل في وظيفة سيئة للغاية.” هكذا يبدأ فيلم جو في مواجهة البركان (Joe Versus the Volcano)، الذي أخرجه جون باتريك شانلي عام 1990، في مشهد يجسد الملل القاتل والرتابة التي تُطفئ وهج الإنسان.

جو بانكس (توم هانكس) رجل أرهقته الحياة، غارق في وظيفة كئيبة تُشبه قيدًا غير مرئي. كل يوم يبدو كيوم بداية أسبوع لا ينتهي، ومديره عابس كأنما يقتات على امتصاص الحياة من موظفيه. تتراكم الضغوط فوق رأسه حتى يشعر أنه يفقد ذاته، فيصرخ بيأس: “أشعر أنني أفقد روحي.”

وكأن القدر يسخر منه، يُشخص طبيًا بحالة غامضة تُسمى “السحابة الدماغية”، مرض وهمي يترجم إحساسه الداخلي بأنه ميت ذهنيًا قبل أن يموت جسديًا. في تلك اللحظة، يدرك جو أنه لم يعش حقًا، بل كان مجرد ترس في آلة الحياة التي لا تتوقف.

ولكن الفرصة تأتي أحيانًا متخفية في هيئة مغامرة. يلتقي جو بملياردير غريب الأطوار (لويد بريدجز) يعرض عليه صفقة لا تُقاوَم: فرصة ليعيش أيامه الأخيرة بطريقة أسطورية، مقابل القفز في بركان نشط في جزيرة نائية تُدعى “وابوني وو”. أمام واقع ميت، يقرر جو أن يموت كما لم يعش من قبل.

في رحلته على متن يخت فاخر، يلتقي جو بباتريشيا، (ميغ رايان) ابنة الملياردير، امرأة ترى الحياة بعين مختلفة. في ليلة صافية، تحت سماء مرصعة بالنجوم، يتأمل جو الكون الواسع، شاعراً لأول مرة بجمال الحياة، هامسًا بدهشة: “حياتي لا تُصدق… لا تُصدق حقًا!”

فتجيبه باتريشيا بكلمات تحمل حكمة خالدة:

“يقول والدي إن معظم الناس في العالم نيام. كل من تعرفهم، كل من تراهم، كل من تتحدث إليهم.. الجميع يعيشون كالأشباح. فقط قلة قليلة مستيقظة، وهم وحدهم من يعيشون في حالة دائمة من الدهشة.”

كم منا يعيش كالأموات الأحياء؟ نائمون بعيون مفتوحة، نؤدي أدوارًا مكتوبة مسبقًا دون أن نتساءل: هل هذا حقًا ما نريده؟ الفيلم، رغم فشله التجاري، كان محاولة لتقديم صفعة توقظنا، تهمس لنا: استيقظ، الحياة ليست مجرد سباق نحو النهاية.

يقول الفيلسوف الأمريكي بول غودمان إن 82% من العاملين لا يحبون وظائفهم، بل ينتظرون بفارغ الصبر اليوم الذي يتحررون فيه. لكن، هل يجب أن ننتظر الاستقالة، المرض، أو حتى الموت لنقرر أن نعيش بشغف؟

في رسائل إلى ميلينا، كتب كافكا:

“الحياة أقصر من أن نقضيها في انتظار شيء ما”. فلماذا نؤجل سعادتنا؟ لماذا نلقي باللوم على الظروف، النظام، أو المدير السيئ؟

يقول مثل غربي قديم: “لا يمكنك إشعال النار بعود ثقاب مبلل”، فاسأل نفسك: ما حال شعلتك الداخلية؟ هل جمرك متقد، أم أنك تحولت إلى رماد؟

اللوم، التذمر، وانتظار المنقذ، كلها طرق للهروب من الحقيقة: أنت وحدك المسؤول عن إشعال شغفك. لا مدير، ولا شركة، ولا حتى وظيفة مثالية ستعطيك ذلك الإحساس الدائم بالحياة.

الكاتب مارك توين قالها بوضوح: “أهم يومين في حياتك هما يوم ولادتك، واليوم الذي تكتشف فيه لماذا وُلدت”، فهل وجدت السبب؟ هل تعيش وفقًا له؟

وظيفتك، مهما كانت، يمكن أن تكون أكثر من مجرد وسيلة لكسب العيش. اجعلها جزءًا من رحلتك نحو حياة ذات معنى. لا تنتظر إجازة طويلة أو تقاعدًا بعيدًا، لا تنتظر معجزة.

“إذا كنت تنتظر اللحظة المثالية، فلن تأتي أبدًا. اللحظة هي الآن”. – نابليون هيل

أشعل حماسك، ابحث عن الدهشة في التفاصيل الصغيرة، وأضف روحك لما تفعل. لا تحتاج إلى بركان لتشتعل، الشرارة في داخلك، فقط أطلقها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى