
تلك الكلمة القصيرة التي تحمل في طيّاتها ميزانًا لا يميل ولا يختل، يزن بإنصاف لا يُغفِل مثقالَ ذرة. ميزانٌ لو وضعه الإنسان نُصب عينيه قبل كل فكرة أو كلمة أو فعل، لانزاحت عن نفسه أثقالٌ كثيرة، ولغُسِل صدرُه من شوائب الوهم والقلق.
إنها ليست مجردَ تساؤلٍ عابر، بل محكّ الإيمان ومصفاةُ النية. أن يسأل المرءُ نفسه: هل ما أفكر فيه، أو ما أنوي قوله، أو ما أُقدِم عليه، هو ابتغاءُ وجه الله؟ أم أنه محضُ هوى، أو رياء، أو طلبُ رضا الناس، أو سعيٌ دنيويّ محض؟ قال تعالى: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ [البينة: 5].
عندها يتبدّل كل شيء: الفكرةُ تصفو قبل أن تُولد، والكلمةُ تتهذّب قبل أن تُنطق، والفعلُ يزكو قبل أن يقع. إن هذا السؤال البسيط كالنهر الجاري، يُنقّي القلبَ من كدر الشهوات، ويغسل الضميرَ من غبار الطمع، ويعيد ترتيبَ السُّلّم الداخلي للإنسان على نحوٍ يمنحه الطمأنينة. وقد قال النبي ﷺ: «إنما الأعمالُ بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى» [متفق عليه].
القوةُ الحقيقية للإيمان لا تكمن في ظاهر الشعائر وحدها، بل في تلك اللحظة الخفية: لحظة وزن النية قبل الحركة. مَن وقف مع نفسه وسألها: أ ِلله؟ ثم أجاب بصدق، فقد بلغ مقامَ المراقبة. هو مقامٌ لا يعرف الاضطراب، لأنه يعلم أن الله مطّلع على سرّه ونجواه. قال الفضيل بن عياض: «تركُ العمل لأجل الناس رياء، والعملُ لأجل الناس شرك، والإخلاصُ أن يعافيك الله منهما».
وهكذا تصبح “أ ِلله؟” بوصلةَ الروح، ومرآتها التي لا تجامل. مَن جعلها زادَه وميزانَه، عاش في أمنٍ داخليّ لا تزعزعه العواصف، ونفسٍ في حصنٍ من القلق، وروحٍ في ظلال رحمة واسعة. قال تعالى: ﴿قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الأنعام: 162].
كلمةٌ قليلة الحروف، عظيمةُ الأثر، تختصر معنى الدين كله: أن يكون الله غايةَ الفكر والقول والعمل. ومَن جعل الله غايته، لم يضلّ طريقه أبدًا.



