حتى لا تصبح ضفدعا مسلوقا
ثبت أنه لو ألقيت ضفدعا في قدر فيها ماء يغلي فإنه سيقفز إلى الخارج مباشرة، لكن إن وضعته في قدر فيها ماء بارد، وتركته يعتاد على المكان ويطمئن وبعدها وضعت القدر بما فيها على نار هادئة، ليسخن شيئا فشيئا، فإنك غالبا ستحصل على ضفدع “مسلوق” في آخر المطاف!
كثير من الناس ينتهي بهم الأمر لأن يكونوا ضفادع مسلوقة، حيث يصرون على إبقاء الأمور في حياتهم على ما هي عليه، وعلى ممارسة كل جوانب حياتهم بالطريقة والأسلوب والنمط نفسه، إلى تلك اللحظة التي يتلقون فيها “خبطة معتبرة” على رؤوسهم! وهؤلاء يفعلون هذا بسبب النزعة البشرية، فالإنسان يميل في الأغلب إلى الترف والركون، حيث يحلو له أن يبقي الأمور- كل الأمور- على ما هي عليه لأن ذلك أسهل عنده بكثير من التغيير.
وبسبب هذه النزعة التي تؤثر عدم التغيير، فالناس تستمر في تكرار ما كانت تفعل، في العمل وفي البيت، وفي التعامل مع الصحة، وفي الاهتمام بالواجبات الدينية، حتى يقع السقف على رأسها! لا يبدأ الواحد منهم بالانتباه لعمله حتى يأتيه إنذار بالفصل أو يفصل فعلا! ولا يبدأ بمتابعة شؤون أولاده المراهقين حتى يدخله أحدهم “أو إحداهن” إلى المخفر مثلا! ولا يبدأ بوصل أرحامه حتى يقاطعوه، ولا يفكر بزوجته وبيته حتى تصل الأمور إلى كلمة “طلقني”! ولا يفكر في ترك التدخين حتى تصيبه “جلطة” تخنق عضلات قلبه!! ولا يذكر ربه حتى تضيق الدنيا في وجهه!
فقط عندما تفاجئه المصائب، ينتفض الواحد كمن ألقيت في ثوبه جمرة أو لدغه عقرب ليقفز كالضفدع في مقدمة المقال! وشكل هذه الانتفاضة عند حصول المصيبة تقسم الناس أيضا قسمين: قسم يأخذ في الولولة والعويل لتصبح مصيبته “أم رأسين”، حيث أضاف إليها مصيبة أخرى هي سوء تعامله مع وضعه، وقسم تفيقه الصفعة مما هو فيه، ليسأل نفسه بموضوعية، لماذا حصل ما حصل؟ وكيف السبيل إلى إصلاحه؟ وما الطريقة لمنع تكراره؟
يقول البعض إن المصائب قد تأتي مفاجأة، هكذا “خبط لزق”، ولا مجال للهروب منها، وأنا أقول هذا صحيح ولكن ليس دائما، ففي كثير من الأحيان ترسل الأقدار إلى الإنسان إشارات ولسعات وقرصات صغيرة عله يفيق، وحينما لا ينفع معه ذلك، وحينها فقط فإنها تضربه على “قمة رأسه” بالمطرقة! وهذا بالضبط ما حصل مع الضفدع بطل المقال، فحينما لم يستشعر التغيير في درجة حرارة الماء من حوله، انتهى به المطاف “مسلوقا”!
نعم، من المهم أن يفيق الواحد من تكراره لأخطائه عندما تأتيه المصيبة “كاش”، لكن الأهم والأجدى من ذلك أن ينتبه قبل ذلك بكثير؛ أن ينتبه إلى تلك الإشارات والعلامات الدالة على خطأ مساره والتي كانت تحدق في وجهه ليل نهار، وهو لا يراها لانشغاله بالدوران في روتين حياته!